قصص

قصة الانتقام

قصة الانتقام لعنة وحلَّت على البلد كلها، بدأت في ليلة كنت راجع فيها مع أصحابي من على الترعة الكبيرة، أصل إحنا غاويين صيد سمك في الليل، وكل شباب البلد عندهم الهواية دي من سنين طويلة، وقتها لمحنا أول بيت في البلد وهو والع وفيه حريقة كبيرة، والبلد كلها كانت واقفة على رِجل بتطفي في النار، ساعتها رمينا الصنانير وشوية السمك اللي في إيدينا؛ وجرينا نطفي في النار مع الناس، لحد ما النار انطفت.
بس على وِش الصُبح النار مسكِت في البيت من تاني، ومحدش كان عارف إيه السبب، الناس خرجت تاني من بيوتها وبدأت تطفي فيها، وبعد ما النار انطفت؛ ولعت للمرة التالتة وبدون سبب؛ وقدام الناس.
واستمر الحال على كده، كل ما النار تنطفي تولع من تاني، والحكاية بدأت تزيد، بيوت البلد بدأت تولع بيت ورا التاني، والنار كل ما تنطفي تولع من جديد، والغريبة إنها كانت بتمسك في البيوت بالترتيب، برغم إن بيوت البلد مش كتير، لحد ما الدور بقى على بيتنا، أهل البلد وأنا أولهم كنا منتظرين النار تمسك فيه، لكن المفاجأة إن النار مسكت في البيت اللي بعدنا، وبعدها بدأت تكمل طريقها وتاكل في باقي البيوت.
كانت حاجة مالهاش تفسير، إن النار تاكل بيوت البلد كلها إلا بيتنا، الكل كان مستغرب وأولهم أنا، بس في نفس الوقت قولنا إن البيت هيولع زيه زي باقي البيوت، كلها مسألة وقت.
في الوقت ده شيخ الجامع قال للناس: “لعنة وسببها الجِن، إحنا ياما سمعنا عن بيوت بتولع بدون سبب، وفي النهاية النار بتكون بسبب انتقام الجِن، أكيد حد من أهل البلد أذى جِن وقبيلته بتنتقم مننا”.
الكلام خلى الناس تترعب أكتر ما هي مرعوبة، كل واحد بدأ يسأل نفسه إذا كان أذى جِن ولا لأ، بس من ضمن الأسئلة اللي الناس سألتها لنفسها، هو إحنا بنشوف الجِن فين على شان نأذيه؟.
كلام شيخ الجامع كان مجرد تخمين، ومش عارفين إن كان ده السبب ولا في سبب تاني لسه هيظهر بعدين، كلنا كنا متجمعين في الشوارع، منتظرين النار تمسك في البيوت من تاني، لكن ده محصلش، بس اللي حصل كان أغرب، لما شوفنا تعابين لونها أسود خارجة من البيوت اللي اتحرقت، وبتنتشر في الشوارع وبتخرج من البلد، كان مشهد غريب مالوش تفسير، التعابين السودة دي كنا بنشوفها من وقت للتاني على شط الترعة وإحنا بنصطاد، إزاي بقى وصلوا هنا واتجمعوا بالعدد الكبير ده، واشمعنى في التوقيت ده التحديد!
الناس انتبهت على صوت شيخ الجامع وهو بيستعيذ بالله من الشيطان، وبيصرخ بعلو صوته وبيقول: “اخرجوا منها؛ لأ تؤذونا ولا نأذيكم، كفاية أذى”.
ولما سألناه عن سبب اللي بيقوله، قال لنا: “وجود التعابين السودة أكبر دليل على صحة كلامه، دول جِن وبينتقموا من البلد لسبب محدش عارفه”.
بعد اللي حصل ده، شيخ الجامع صمم يجيب شيخ مشهور من البندر، بيعالج حالات المَس اللي محدش يقدر عليها، وبيصرف الجِن من البيوت، ولما الشيخ وصل البلد وشاف حالها، قال لشيخ الجامع: “قبيلة من الجِن بتنتقم من البلد، لأن أهلها بيقتلوا فيهم من زمان”.
لما شيخ الجامع استفسر أكتر، وحب يعرف إزاي ده حصل؛ الشيخ قال له: “الجِن اتقتل وهو في صورة تعابين سودة، بالقُرب من مُسطح مائي جنب القرية، وإن القتل ده بيحصل من سنين طويلة، وقبيلة الجِن قررت تنتقم، وكل واحد قتل جِن بيته اتحرق، وإن الانتقام انتهى والجِن خرج من البلد في هيئة تعابين وقدام أهلها، على شان يوصل رسالة صريحة لأي حد يفكر يكرر اللي اتعمل، وإن لازم يتعمل عهد مع قبيلة الجِن؛ عهد يمنع إنهم ينتقموا من أهل البلد تاني”.
الحكاية كلها كانت غريبة، لأنها بدأت من شيء بسيط محدش كان واخد باله منه، وده ظهَر لما الشيخ عمل العهد مع قبيلة الجِن؛ اللي اشترطوا شرط وحيد، وهو إن مفيش حد من أهل البلد يقرب ناحية الترعة من بعد المغرب لحد طلوع الشمس، وإذا حصل وحد قرَّب، ميجيش ناحية أي تعبان يشوفه.
الغريبة إن الوقت ده بالتحديد، كان هو الوقت اللي الناس في البلد بتطلع تصطاد فيه، ووقتها اللي كان بيقابل تعبان على الترعة كان بيقتله، لأنه بيخاف إن التعبان يلدغه، والحكاية دي كانت بتحصل من سنين طويلة، والغريبة إن مكانش بيظهر عند الترعة غير تعابين سودة.
بعد اللي حصل في البلد، عرفنا إن اللي كان بيتقتل من سنين طويلة مش تعابين، دي أفراد من قبيلة جِن عايشة في المكان ده، ومحدش كان يعرف الحكاية دي، لو كنا نعرف كده مكنش حد قرَّب من الترعة أصلًا، لا في الصُبح ولا في الليل، أصل مين اللي هيبقى عارف إن المكان ده ساكن فيه قبيلة جِن ويروح يقعد فيه، محدش هيجرأ يقرَّب منه، زي ما بيحصل دلوقت كده، معادش حد بيقرب من الترعة نهائي، وبالنسبة لبيتنا اللي متحرقش، فأحب أقول لكم: إن أنا الوحيد في البلد اللي مجرَّبش يقتل تعبان وهو بيصطاد قبل كده، في البداية كنت فاكر إن ده ضعف مني، لكن دلوقت عرفت إن ده كان من حُسن حظي؛ بدون ما آخد بالي.
**
تمت…
#الانتقام
#محمد_عبدالرحمن_شحاتة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى